حكـــاية بلا نهــــاية
من دون أن يلفت انتباه أحد أو يشعر بوجوده أحد , كان يجيء خلسة يتبعها بعينيه حتى تختفي , وهي تتجاهل نظراته. ذات مرة تقابلا عن مدخل الباب , خفضت أفنان رأسها خجلا ومشت , أما هو بقى متجمدا في مكانه لم يسبق أن شاهد فتاة بمثل أناقتها وأدبها .
يدرسان في جامعة واحدة ..لكنه يسبقها بسنتين مع ذلك كانا يلتقيان كثيرا في اليوم الواحد .
كان لوجود براء أثر في نفس أفنان , لم تكن عديمة الإحساس لكنها فضلت كتم مشاعرها عنه , عله ينسى , عله يطوي أيامها .
(( إن الوجع يبرعم في عينيكِ ..))
قالت لها رحيق صديقتها .
لم تقدر أفنان أن تجيب . . فقد كانت عيناها تزهوان بدمع ٍ جم .
وفي الفجر وبقرب نافذتها رفعت صوتها بغناء حزين , بتراتيل , باستفسارات لا تنتهي ..
أقترب الصباح واستيقظت أفنان وطيف الابتسامة يغمر مُحياها , وروحاً تتلهف إلى وعد جميل . هيأت نفسها للذهاب لجامعتها وعند وصولها كان براء كعادته واقفاً بجانب البوابة ورآها تدخل . . كزنبقة تتفتح وتميس , كلما لوّحت لها الأيام بمنديل ازداد صباها حسناً . اشتعل الطريق بجمالها كما اشتعل قلب براء . . بدأ يحس بأن العالم قد بدأ يظهر له الود كله والرضا كله . رفرف قلبها كحمامة عالقة في فوهة التهوية , كانت متحمسة ليومها معه , لكن لم ؟؟ تساءلت أفنان كثيرا ,,لم براء يهتم بي ويتابع أخباري, هل تُراه معجب بي !!
تركت تساؤلاتها خلفها , ومضت نحو مستقبلها . انتهى دوام أفنان أما براء فمحاضراته انتهت قبل أفنان بساعتين ..لكن لم هو هنا , ينتظرني , ينتظر خروجي , خانتها شفتاها بابتسامة وسرعان ما أخفتها خوفا إن يلاحظ فرحها . أخرجت هاتفها واتصلت بأبيها ليرجعها للبيت . وبعد وقت قليل وصل والد أفنان , خرجت أفنان وركبت السيارة وانطلقت وعند المنعطف لمحت أفنان سيارة براء وأدارت وجهها نحوه , صدق حسدها , فأجاب قلبها : هو ! . أنزلت المرآة وفي هذه المرة تبدلت الأدوار , راقبت أفنان براء وهو يتبعهم حتى وصلوا للبيت ..لبيت أفنان . بحركة متعمدة جعل أفنان تنظر إليه وهي أيضا لم تتردد بالعوم في مقلتيه مع أنها لا تعرف السباحة , سوى في بحر العيون . خرجت أفنان من السيارة ودخلت مسرعة لبيتها , أخبرت أمها بتفاصيل ماحدث معها فقد تعودت أفنان أن تجلس وتتحدث مع أمها كالصديقات , نصحتها أمها : ابقي كما انتِ يا أفنان لا تبادليه النظرات وكوني طبيعية لا ترتبكِ واجعلي ثقتكِ وكبريائكِ أمامكِ دائما , وفقكِ الله يا ابنتي .
هذه الكلمات أثرت في نفس أفنان , أحست بارتياح كبير , لكن مازال هناك أمرا لم تخبر والدتها به , ( مشاعرها ) بدأت تنمو وتغرق به .. لكنها داست على مشاعرها وأصغت لوالدتها الأكبر سناً وقدرا . ومضت على هذا الحال .
وفي صباح يوم 4 من حزيران نهضت أفنان من النوم عابسة , فحلمها كان مخيف ولاتستطيع وصفه , جلست لبعض الوقت في سريرها , نظرت إلى ساعة الحائط وجدتها الساعة السادسة والنصف , نهضت لتأخذ حمام منعش ربما يغير من مزاجها العابس , بعد انتهاءها ارتدت ملابسها بسرعة وأخذت حقيبتها وهاتفها متجهة نحو جامعتها .
التقت صديقتها رحيق .
رحيق : صباح الخير
أفنان: صباح النور
رحيق: مابكِ ؟أفنان: حلمت بكابوس . . حلمت به .رحيق : من ؟أفنان: براء .
رحيق : ماذا رأيتِ ؟
جلست أفنان بصمت تتذكر تفاصيل الحلم .
رحيق: هيا تحدثي !!
أفنان : رأيت براء ..يتزوجني ...
رحيق : وهل هذا كابوس يا أفنان ؟؟ أنتِ تعلمين أن هذا حلم فقط , فلا داعي للقلق .
أفنان: أنا خائفة منه , لا أعلم ما السبب !!
رحيق : هل تحبينه ؟
أفنان: لا أعلم , انتظر طيفه كل يوم , أحس برغبة في البكاء ما إن تلتقي عيني بعينه . أنا خائفة لا أريد المشاركة في معرض اليوم .
رحيق : ارميه ورائكِ يا أفنان , ولا تنسي أن مشاركتنا مهمة تعبنا وسهرنا حتى اكتمل المشروع , لا تنسحبي بهذه السهولة , كوني كما أنتِ يا أفنان لا تضعفي , أرجوكِ .
أنعش كلام رحيق أفنان ونهضتا سويا . بدأ المعرض وبدأ الزوار في الحضور. كانت أفنان واقفة بجانب رحيق تنتظران حضور الزوار لكي يوضحوا لهم مشروعهم . أما براء فلم يكن مشارك بل كان منتظر دوره مع أستاذته وحبيبته أفنان . آتى براء برفقة صديقه نحو أفنان همس لها بصوت خافت : اشرحي لي فإني ظمآن , استغربت أفنان من وقاحته الغير متوقعة , ربما طفح به الكيل , لا يحتمل معي الصبر. بدأت أفنان بالغوص في أعماق المشروع , كانت متحمسة جدا لتوضيح مشروعها , كانت فاتنة في ذلك المساء واكتفى الواقفون أمامها بأشعة عينيها.. فلم يتعبوا عيونهم برؤية القمر.. واكتفوا بعطرها , قاطعها براء بسؤال محرج خارج عن الموضوع ..ارتبكت أفنان لم تحضر نفسها لهكذا سؤال . . اعتذرت ونادت رحيق لتكمل عنها .
تنهدت أفنان تنهيدة خرجت من أعماقها . . تمنت لو أجابت عن ذلك السؤال اللعين , تمنت لو أخفت ارتباكها عنه ..كان قريبا جدا إلي ..وكنت اسمع أنفاسه كنت اشعر بها لكنه وقح بنظراته ..بتعليقاته .
انتهى المعرض وارتدى الليل ثوب السواد , أزال القمر غلالته الشفافة , داعب الوريقات الناعمة وبراء لا يزال يحرس أفنان الخجولة بعينيه الدافئتين , نظراته تنشد أشعار وتنعش القلب الذي أشقاه الظمأ . تشابكت عيونهما ..سارا معاً ببطء بذاك الطريق الذي يشبه طريق الحياة الذي لا يخلو من العثرات التي قد تجعلنا نقف ومن ثم نزيلها ونتخطاها , نبتسم ونضحك ربما نبكي هذا هو قدرنا لا يخلو من السعادة أو الحزن ..نحن بيدنا من نجعل أنفسنا سعداء ونحن من نتعسها ونجعلها بائسة ..